يُعتبر شم النسيم من أقدم الإحتفالات الشعبية التي عرفها المصريين : قديماً وحديثاً . فقد إحتفل المصريون القدماء بشم النسيم قبل ما يقرب من ٤٥٠٠ سنة ، حيث كانوا يحتفلون بموسم الحصاد "شمو" ، الذي كان يَرمز عندهم إلى بعث الحياة .
وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان وبدء العالم. وقد تعرض الإسم للتحريف على مر العصور، وأضيفت كلمة " النسيم" لإرتباط هذا الفصل بإعتدال الجو وطيب النسيم.
و إرتبط شم النسيم بالكثير من المظاهر التي ميَّزت هذا اليوم قديما وحديثا.
(١) التنزُّه على ضفاف النيل وفي الحدائق.
كان ولا زال من أهم مظاهر الإحتفال بشم النسيم، هو الإحتفالات التي تقام على ضفاف النيل وسط الحدائق والساحات المفتوحة، بين الزهور. و كان يستقبلون أشعة الشمس حاملين معهم اللعب ومعدات اللهو وآلات الموسيقى والدفوف.
وكانت النساء والبنات يَحرِصن على إرتداء الملابس الجميلة ويهتمون بتصفيف الشعر وكُن يُسرفن على إستخدام العطور لإظهار مفاتنهن .
(٢) البيض المُلوَّن.
لتلوين البيض في شم النسيم جذور فرعونية، التي كانت من أهم مظاهر الإحتفال بذلك اليوم. ذلك لأنهم كانوا يعتبرون البيض رمزا للحياة، لأنه من الجماد "البيض" تخرج الحياة "الدجاجة" . وكان هذا المعتقد يتماشى مع فلسفتهم في البعث والتجديد.
وكانوا يضعون البيض في سلال من سعف النخل ويزينونها ويتركونها في الحدائق وأمام البيوت كقربان للآلهة في عيد " شمو"، الذي هو أصل شم النسيم .وكانوا يكتبون عليه أمنياتهم وأدعيتهم ويتركونها طوال الليل حتى تحمله الآلهه لتلبيه تلك الأمنيات .
وكانوا يُلوِّنون البيض بالألوان الزاهية : الأخضر يدل على النماء، والأحمر يدل على الحياة والأزرق على الخلود.
وما زال المصريون يستمتعون بتلوين البيض حتى يومنا هذا ويستخدمون في ذلك الألوان النباتية والصناعية والملصقات الجميلة.
(٣) السمك المملح.
إستخدام المصريون القدماء السمك المُملح والمُقدد للإحتفال بعيد الربيع "شم النسيم" كرمز للخصوبة والتجديد . وكانوا يستخدمون السمك المُملح في ذلك الوقت لعدم وجود وسائل تبريد لحفظ السمك وكانوا يقومون بتمليحه خصوصا مع قدوم فصل الربيع وإرتفاع درجات الحرارة.
وحافظ المصريون على تلك العادة كجزء من التراث ، فأصبح الفسيخ والرنجة عادة موسمية مرتبطة بهذا اليوم، ويستبدلوا الأسماك المملحة "الفسيخ والسردين" بالرنجة في شم نسيم لأن تدخين السمك الرنجة يكون أكثر أمانا وأكثر سهولة في تحضيره من الفسيخ.
كما إعتبره الناس أخف على المعدة وأسهل في الهضم مقارنة بالفسيخ الذي قد يسبب بعض إضطرابات في الجهاز الهضمي.
(٤) البصل الاخضر.
ولأكل البصل في شم النسيم جذوراً تاريخية فرعونية قديمة، حيث كان يرمز للقوة والطاقة عند المصريين القدماء . وكانوا يعتقدون أن البصل له القدرة على طرد الأرواح الشريرة ويمنع الأمراض ، ولذلك إعتبروه طقسا من أهم طقوس الإحتفال ببداية فصل الربيع: فصل التجدد والنماء.
أما حاليا فياكل المصريين البصل الأخضر مع الفسيخ والرنجة لتقليل خطر التسمم من هذه الأسماك .كما أنه يحتوي على مضادات أكسدة تساعد على منع التهابات وتحفيز وتحسين جهاز المناعة .
كذلك فهو يحتوي على فيتامين سي وحمض الفوليك والألياف التي تعمل على تخفيض نسبه الكوليسترول في الدم وبالتالي تحسين صحة القلب.
(٥) الخس.
كان الخس من النباتات المفضلة في ذلك الوقت، وكان يسمى في اللغة المصرية القديمة "عَب". وإعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة. وقد ظهر الخس مصوراً ومنقوشاً على السلال ليُقدم كقرابين للآلهة ورمزا للتناسل والخصوبة. وما زال الخس من الأطعمة الأساسية على موائد شم نسيم يقدم ضمن الأطعمة المحببه ، إذ يكتمل نُضجه في بداية الربيع.
وقد قام العلماء المتخصصين حديثاً في مجال التغذية بالأبحاث على الخس ووجدوا أن هناك علاقة بين الخس والخصوبة . وجدوا أن زيت الخس يزيد القوة الجنسية لإحتوائه على فيتامين ه وبعض هرمونات التناسل والإنجاب.
(٦) الحمص الأخضر "الملانة".
هناك الكثير من البرديات الطبية التي ذُكرت فيها فوائد الحمص ومزاياه . وكانوا يعتبرون نضوج الحمص وإمتلائه بمثابة إعلان عن قدوم الربيع ،ومن هنا أخذوا اسم" الملانة".
وكانت الفتيات يضعن في شم نسيم حبَّات الحمص الأخضر عقودا وأساور يرتدينها كزينة في هذا اليوم . كما كان الناس يُزيِّنون حوائط منازلهم ونوافذ بيوتهم بالملانة.
(٧) الترمس.
الترمس من النباتات التي تنمو بسهولة، ولذلك إرتبط بالخصوبة والبركة. وكان يستخدم في العلاج والتطهير سواء للجسم أو بعض الأمراض الجلدية . ولذلك كان القدماء المصريين يأكلونه في شم النسيم حيث كان يرمز إلى تجديد الصحة وتنقية الجسم مع بداية فصل الربيع، فصل الحياة والإنبعاث.
وارتبطت تلك العادة الفرعونية القديمة في شم النسيم وحتى الآن بالتسالي والخروج للحدائق والتنزه للبهجة واللمة العائلية.
تعليقات
إرسال تعليق